البوطي “الأب و الابن”!

في آخر جمعة من شهر شوال المنصرم في هذه السنة الهجرية التي أوشكت على الرحيل خرج علينا الشيخ توفيق البوطي “البوطي الإبن” بتصريح صادم ومستفز جداً لمشاعر العرب والمسلمين وخاصة لشعب سوريا الجريحة الضحية المباشرة لنظام رجعي همجي يحكمهم بعقلية ما قبل التاريخ ويتصرف معهم كنظام إحتلال عسكري وحشي لم يرحم الأطفال قبل الكبار ولا النساء قبل الرجال ولم يرقب فيهم إلاً ولا ذمة.

فمن على منبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن الجامع الأموي في شامة الدنيا دمشق عاصمة أول ملوك الإسلام سيدنا معاوية رضي الله عنه خال المؤمنين وكاتب الوحي الأمين وخير ملوك المسلمين قاطبةً، شبّه توفيق البوطي ابن محمد سعيد رمضان البوطي “السفاح بشار الأسد” بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!!.. مع أن الأسد ينتمي لطائفة دينية غير مقطوع بإسلامها (غير معترف بإسلامها في تركيا والأزهر في مصر) فهي تُظهر الإسلام وتُبطن غير ذلك بتعبير بعض شيوخ المسلمين من السنة والشيعة على السواء (ولو أن طائفة النصيرية العلوية تلتقي سياسياً مع الشيعة الاثنى عشرية إلا أن التكفير المذهبي بينهما لا يزال قائم) وكان ذلك التشبيه المستفز في معرض حديث البوطي الابن في تلك الخطبة عن قانون قيصر الصادر عن الكونغرس في الولايات المتحدة الأمريكية ضد النظام السوري مُشبهاً القانون الأمريكي بحصار كفار قريش لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في شعب أبي طالب ولم يكتفي البوطي الإبن بذلك بل وصف ضحايا هذا النظام الوحشي بأنهم “أشد وأحط من كفار قريش” في تكفير علني صريح رغم أن أتباع مدرسة البوطي و”يا للعجب” يصفون أنفسهم بالمتحرزين جداً من التكفير ويرمون خصومهم بالمتساهلين في التكفير!!

العالم الحق بموقفه الشرعي لا بعلمه الشرعي.. فلا يكون العالم الشرعي عالماً ربانياً موقعاً عن الرحمن محارباً للشيطان إذا اختلت عنده بوصلة التمييز بين الحق والباطل وبين العدل والظلم..

وإلا كان موقعاً عن الشيطان لا عن الرحمن جل جلاله !..

وحُقَّ فيه قول الله تعالى في القرآن الكريم:

(مثل الذين حُمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين).

البوطي الأب “الشيخ محمد سعيد البوطي” صاحب تراث وجهد علمي طويل لكنه غسل علمه غسلاً ونفضه نفضاً ونقضه حجراً حجراً باصطفاف سافر بجوار طاغية فاجر وتحريضه إياه على شعب سوريا الذبيحة.. فمثلي الذي حرص على إحتواء مكتبته المنزلية المتواضعة على بعض مؤلفات البوطي والتلذذ بقرائتها ومدارستها كشرح الحكم العطائية وفقه السيرة وغيرها.. لا أجدني اليوم أستسيغ منها كلمة واحدة كل ماتذكرتُ وصف محمد سعيد البوطي في إحدى خطبه عام 2011م لجيش بشار بـ (الجيش الباسل الذي يقوم بواجبه).!! أي واجب هذا يا بوطي.؟! أين ذهب دينك وعلمك وأمانتك وزهدك وورعك و “الحس الأخلاقي والإنساني”؟! هل قتل الأطفال في المعتقلات ورمي البراميل المتفجرة على رؤوس العجائز والنساء وقتل المعتقلين الأبرياء جوعاً في السجون والزنازين هو الواجب الذي يقوم به هذا الجيش.؟! إذا لم يكن هذا تأييداً علنياً صريحاً للقاتل فما هو التأييد يا من تُنكرون تأييد محمد سعيد البوطي للقتلة؟! ولماذا المجاملة والمداهنة والصمت أحياناً والتعصب والتخندق المستمر في الدفاع عن الشيوخ أحياناً أخرى وهو الذي أضر بالإسلام وفتن الناس عن دينهم مما دفع ببعض الشباب السوري والعربي الى الإلحاد وإنكار وجود الإله ورفض الدين مطلقاً.! الله خلق الناس بفطرة سوية مستقيمة رافضةً للظلم كارهةً للطغيان فلماذا تفتنون الناس عن خالقهم ولماذا كل هذا التخندق وتقديس الشيوخ وكأن ذواتهم لا تُمس في صناعة صنمية عُلمائية عجيبة أشبه بصنمية القسيسين والرهبان لدى اليهود والنصارى وكأن صانعوا هذه الصنمية من المسلمين نسوا إشارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال (فتلك عبادتهم).!

جاء في أخبار الشيوخ للمروذي:

قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله:

(نحن اليوم على الطريق، فإذا رأيتمونا قد أخذنا يميناً أو شمالاً فلا تقتدوا بنا)

لا صنمية في الإسلام، فالشيخ الذي نحبه ونراه على طريق ونهج قويم نقول له: نحن يا مولانا على طريقك، فإن تنازلتَ وخضعتَ وركنتَ للظالمين نقول لك كما قال سيدنا الخضر عليه الصلاة والسلام:

(هذا فراق بيني وبينك).

لا شك أن تلك التصريحات المستفزة تجعل من البوطي الأب شريكاً للنظام الأسدي في قتل الشعب السوري العربي المسلم.

واليوم تخرج علينا عمامة جديدة شيطانية لا رحمانية ولا ربانية متمثلةً في البوطي الإبن وفي تصريح أكثر إستفزازاً وابتذالاً من تصريحات أبيه ليُشبه الطاغية بشار الأسد “بسيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام”.!! فأي بؤس بلغت به هذه العائلة.؟! هل يُعقل أن تتحول عائلة البوطي السنية الصوفية العريقة إلى عائلة “مغسلاتية” لجرائم القتل التي مارستها عائلة الأسد النُصيرية الطائفية على شعب أعزل طيلة عقود.؟!

مع العلم أن البوطي الجد (ملا رمضان بن عمر الكردي البوطي الذي توفي عام 1410هـ الموافق 1990م) كان عالماً ربانياً بحق وفقيهاً صوفياً زاهداً ورعاً هاجر من تركيا إلى دمشق فسكن فيها وأحبه أهلها وقبل موته ترك لأولاده وصية جاء فيها:

(أما بعد؛ فأوصي أولادي وكل من يسمع كلامي ألا يتخذوا من دون الله ولياً ولا نصيراً ولا حاكماً أو قديراً، واسأل الله تعالى أن يُفهمهم معنى كلامي).

فعلى هذه الوصية يتضح مدى مخالفة البوطي الأب لوصية أبيه وجنوحه عن التفطن لها فقد كان أكثر تبعيةً للبلاط الأسدي من تبعيته لوصايا أبيه.!!

والعجب أن أتباع النظام الأسدي وأتباع البوطي الأب اتفق كلاهما على تسويق الأخير إعلامياً بأنه ذلك العالم الزاهد الورع نظيف اليد الذي لا يأكل بعلمه ولا يقتات على موائد السلاطين وهذه أكذوبة لا تنطلي على متفطن متتبع للأحداث جيداً فهذا الكلام غير صحيح بالمطلق ولا تعدو أن تكون مجرد دعاوى تسويقية.! بل كان البوطي غنياً ثرياً صاحب مناصب ووظائف عديدة ودخل عالي من مؤلفاته التي جاوزت الـ 60 كتاباً مطبوعاً, وأخذ جائزة الشخصية الإسلامية في دبي (مليون درهم) وهي مدفوعة من أموال السلاطين لا من مؤسسات بحثية مستقلة أو من عامة المسلمين لمن يدعي أنها “جائزة عالمية”.! وهنا يتضح أنه كان يأكل بعلمه ويقتات بدينه وليس زاهداً كما يتشدق “المسرفون في المحبة”.!!

وليته اكتفى وقنع بتلك المناصب والأموال.. وكفّ عن تأييد (بشار الأسد وجيشه الباسل) حسب وصفه!!!

واعتزل في بيته كما فعل بعض كبار علماء الشام كـ العلامة وهبة الزحيلي رحمه الله وغيره وقد كان يسع البوطي السكوت –خاصة وهو يرى أن ما يجري فتنة وليست مواجهة عادلة بين الظالم والمظلوم والمحق والمبطل- ولم يخرج على أهل الشام كل جمعة مؤيداً ومتزلفاً للطائفيين والقتلة ومبرراً لتلك الأسرة التي تحكم الشام بالدم والحديد والنار!!…

الزهد الحقيقي ليس في المسكن والمركب والملبس ..

الزهد الحقيقي في البعد عن التصدر في الخطب والبرامج والوجاهة والزعامة الدينية وقد رضي محمد سعيد البوطي أن يكون رئيساً لما يُسمى “إتحاد علماء الشام” وفيه الدروز والشيعة و..و.. مع أنه كان محارباً لفكرة التكتلات والأحزاب والجماعات ولكن هكذا طُلب منه كما يبدو !!

وقد عُرف عنه واشتهر بسهولة تحريكه وتوجيهه من قبل رجال إستخبارات نظام الأسد وكأنه يُدار من قبلهم بخبث ودهاء ولم يكن البوطي يستجيب لنصح الناصحين المخلصين من حوله في تواطؤ واضح مع النظام!!!

جاء في الآداب الشرعية لابن مفلح أن الامام أحمد بن حنبل سُئل عن إبراهيم بن الهروي فقال (رجل وسخ) فقيل له: ماقولك بأنه وسخ؟ (أي ماسبب وصفك له بهذه الكلمة؟) فقال الامام أحمد: (من يتبع الولاة والقضاة فهو وسخ).

هذا وصف الامام أحمد -وهو الإمام العدل الثبت الثقة ومن الأربعة الائمة الذين أجمعت الأمة الإسلامية سلفاً وخلفاً على عدالتهم ولا يجرؤ أن يطعن في عدالتهم طاعن إلا مخالفٌ لإجماع أهل السنة- فهذا وصفه في علماء زمانه الذين لم يكونوا كـ علماء اليوم الله المستعان!، وفي ولاة وقضاة صدر الإسلام الذين ليسوا كـ ولاة وقضاة اليوم، فقد نصر المتقدمون الإسلام وفتحوا به المشرق والمغرب ورفعوا راية الدين وأهانوا راية الكفر والمشركين ونشروا الحضارة والرقي والعلم والتمدن والعفة والفضيلة.. فما بالكم إذا كان الإمام أحمد حياً بيننا اليوم ورأى البوطي الأب والابن وتأييدهم المبتذل لمن أهانوا الإسلام بل حاربوه وقتلوا أهله وبنوه.!! فماذا عساه أن يقول.؟!!

حول الكاتب

وسام العامري