هذه القصيدة كتبها أبو الأحرار اليمنيين القاضي الثائر الشهيد محمد محمود الزبيري رحمه الله في بداية ستينيات القرن الميلادي الماضي، وكأنه قد خطها بأنامله اليوم لا بالأمس القريب، في سردية شعرية تحكي الألم المتجدد للأجداد والأحفاد وجراحاتهم النازفة في فلسطين الجريحة وتخاذل العرب عنها.
مراجل في أثير الشعر تضطرم
وصيحةٌ في سماء الحق تحتدم
وضجة في صماخ الدهر صاخبة
لها بكل بلادٍ مسمعٌ وفمُ
نزعتها عن شئون ملؤها عبر ٌ
وصغتها عن ضمير ملؤه ألمُ
وللفؤاد أحاسيس إذا نضبت
جاشت بها الأرضُ وانجابت بها الظلم ُ
ما للحقائق ِ أضحت لا تلاحظُــها
عينٌ، ولا يأتلي عن سبقها الوهمُ؟
ما للد ِّ ماء ِ التي تجري بساحتنا
هانتْ، فما قام في إنصافنا حكمُ؟
ما للظلوم الذي اشتدت ضرواته
في ظلمنا، نتلقاه، فنبتسم؟
نرى مخالبه في جرح أمتنا
تدمى، ونسعى إليه اليوم نختصمُ
يا قادة العرب والإسلام قاطبةً
قوموا فقد طال بعد الصبح نومُكمُ؟
شيدوا لنا في سموات العلا حرما
نطوف حول ثُرياه ونستلمُ
متى يرى الإنجليز ذمتنا
كذمةٍ حقها ترعى وتحترم؟
حتى متى نشكتي منهم ونسألهم
رفع العذاب، فما رقوا وما رحموا؟
هم يدركون بأنَّا خاضعون لهم
من ذلنا، رغم ما جاروا وما ظلموا
لا نستحق حياةً غير ما وهبوا
ولا ننال حقوقاً دون ما حكموا
لهم علينا قوانينٌ، وليس لنا..
إلا الرضوخ لما قالوا وما التزموا
يا للضلال وللأوهام إذ هدمتْ
من العقول بناءً ليس ينهدم
أنَّى يُضيع حق دونه أممٌ
أبية، دينها الإقدامُ والشمم؟
وكيف نخشى الردى والموت شيمتنا
ونحن قوم على الآجال نزدحم.
إذا تناسى الأعادي هول نجدتنا
جئناهم بقلوب ملؤها نقمُ
وللعروبة أهداف مقدسةٌ
تقضي السماء بها واللوح والقلم
ووثبة حرة عُليا تؤيدها
مشيئة الله والأقدار والقسم
وأنفس إن تزدْ همما
وإن تذق ألما ينهض بها الألم
فيا بريطانيا عودي بمخمصةٍ
إن العروبة لا شاء ولا نعم
إن العروبة جسم يئن به
عضو تداعت له الأعضاء تنتقم
إن يضطهد بعضُه فالكل مضطهد
أو يهتضم جزؤه فالكل مهتضم
أتخرجون كماة العرب ويحكم
من أرضهم، وهم الأبطال والبهم
أتشترونهم أنتم، وهم نفرٌ
باعوا نفوسهم لله واعتصموا
كم من دم قد سفكتم من دمائهم
فما استهانوا، ولا ذلوا ولا ندموا
وتخطبون على ها صداقتهم
حتى كأن ليس فيهم عاقل فهم
هل منن صداقتكم للعرب أنكم
تمزقون بمحض الغدر عهدهم؟
هل من حفاوتكم بالعرب أنكم
تستعذبون بلا ذنب عذابهم؟
هيهات ضلت عقول تبتغي مقة
منكم، وقد جرعتها الموت كفكم
إن الكتاب الذي جدتم به ثمناً
لأرضهم ليس يكفيهم إذا اقتسموا
لم يحسبوه سوى أكفان عزتهم
نسجتموه لهم ظلماً وإن رغموا
إن الدماء التي سالت بمديتكم
لم يشفها منكم القرطاس والقلم
زخارف من خداع الوعد خاوية
ما نال فيها المنى إلا انتدابكم
وكيف نرجو انتصافاً في محاكمة
وقد تمالأ فيها الخصم والحكم؟
أين العدالة يا أعداء مبدئها
منكم إذا كان غمط الحق دأبكم؟
إن الخداع الذي دانت سياستكم
به لأعظم ما تشقى به الأمم
ظلمتم العرب للصهيون، ويحكم
أين الدهاء وأين العدل والشيم؟
أضحى اليهود صليبا تعبدونهم
دون الصليب وإن كانوا العبيد همُ
فلا برحتم عبيداً لليهود ولا
زالت سياستكم بالذل تنهدمُ