هل العالم على حافة الجوع حقاً ؟

لا تزال مناظر الأطفال الجياع من إفريقيا بالأمس القريب ومناظر الأطفال الجياع اليوم في اليمن مؤرقة لكل ذي حلم، وجزيرة العرب لا يوجد فيه جزء لم يزره الجوع، فقد نالت منه حظاً وافراً عبر التاريخ القديم والحديث. في بدايات العام 2021 وذروة فترة جائحة الكورونا وقبل الغزو الروسي لأوكرانيا نشرت قناة الـ BBC تقريراً أطلقت من خلاله الشرارة الأولى متسائلة هل كوكب الأرض مقبل على مجاعة عالمية؟ وتوالت معها إطلاق النذر من المسؤولين في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بالأمر. أنظمة الغذاء العالمية بكل أسف ليست متماسكة بعد أن أثبتت هشاشتها من خلال الاضطراب الذي شهده العالم مؤخراً، من تفشي جائحة كورونا والتقلبات المناخية المتسارعة، وزيادة مستوى التصحر، وارتفاع التضخم العالمي بشكل غير مسبوق في أمريكا والعالم، وإعلان عدة دول إفلاسها لأول مرة في التاريخ الحديث وفرض المزيد من القيود المالية مما أثر على مستوى الدخل وأجور العاملين، وعزز كل ذلك من تفاقم الوضع.

الرعب من انفجار أزمة غذاء عالمية ليس وليد الساعة، بل ابتدأ منذ الأشهر الأولى لعام 2014 بعد الاجتياح الروسي لجزيرة القرم، وليس بعد الحرب الروسية الأوكرانية الأخيرة، بل إن الذعر الذي شكله اجتياح جزيرة القرم وحده كان كفيلاً بزيادةٍ قاربت الـ 75٪ في سوق القمح العالمي خلال شهري فبراير ومارس فقط من نفس السنة. روسيا وأوكرانيا يشكلان ثلث احتياطي العالم من مخزون الغذاء العالمي، وفي ظل سيولة التصريحات دخل على الخط العجوز المخضرم هنري كسينجر بقوله: ‏”على أوكرانيا التخلي عن بعض أراضيها لروسيا وعلى الغرب التوقف عن فكرة هزيمتها، إن استمرار الحرب سيُحدث مجاعة عالمية”، وقبله مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي الذي اتهم روسيا بتجويع العالم غير أن بوتين جاء رده بطريقة غير مبالية بتجويع العالم إن لم يوقف العقوبات الغربية على روسيا.

إذن الوضع جد خطير ففي الوقت الذي نرى فيه العالم غارق في معمعته نجد بلداننا الغارقة أصلاً في أزماتها الداخلية ليست بمنأى عن المزيد من ارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية وفي المقدمة منها اليمن. على العرب والمسلمين وخصوصاً في دوائر صنع القرار في عالم السياسة والمال والاقتصاد والاعمال؛ المسارعة إلى عقد ورش عمل ورسم الخطط ووضع التصورات والأهداف، بين عاجلة التنفيذ وآجلة التنفيذ، ترمي إلى صناعة مخزون غذاء عربي وإسلامي من خلال دعم المزارعين والمنتجين وإنشاء سلال غذائية عملاقة في بعض أقطار وطننا العربي والإسلامي الكبير، كالسودان والصومال وتركيا وأذربيجان، وإعادة توجيه السياسات العامة والانفاق العام والعمل على أنظمة غذاء جديدة قادرة على المواجهة وتغيير الثقافة الاستهلاكية، والسعي لإقامة وتثبيت دعائم اقتصاد إسلامي حقيقي وهو الاقتصاد الآمن لكونه يقوم على محاربة الربا والتعامل بالمال الحقيقي من الذهب والفضة وليس الورق الذي يساهم بزيادة معدل التضخم وسرقة مدخرات الشعوب ويقوم كذلك على أنظمة تأمينية على محدودي الدخل من الفقراء والمساكين كالزكاة والصدقات والاوقاف ونحوه، وغيرها الكثير من التصورات التي قد تسفر عنها ورش العمل من حلول جذرية للاستعداد بالشكل الكافي لمحاربة الجوع ودفعه قبل نزوله.

نقلاً عن اللواء القطرية

حول الكاتب

وسام العامري