جميع استطلاعات الرأي في وطننا العربي الكبير تعرف لقناة الجزيرة القطرية التصدر الدائم على قوائمها لموثوقية المشاهد العربي بها لكونها قناة الشعوب بلا منازع ولا منافس وباعتراف أحد أهم العمالقة الكبار في صناعة الاعلام العربي الأمير الوليد بن طلال شخصياً والذي اعترف بأن الجزيرة هي نبض الشارع العربي فما هو السر في ذلك؟! الجزيرة منذ انطلاقتها الأولى أواخر العام 1996م كانت حرفياً بمثابة صخرة عظيمة أُلقيت على نهر راكدٍ آسن لا حِراك فيه، وكانت كذلك بمثابة الصدمة الكهربائية المفاجئة لجسد خامل بَعثت فيه الروح من جديد، قناة الجزيرة اعتمدت لغة ثورية جداً على كافة المقاييس وجديدة تماماً على مسامع الناس لم يألفها الفرد العربي العادي من قبل أو يسمعها مسبقاً من قنوات وإذاعات العرب، فلأول مرة يسمع المواطن العربي ويشاهد قناة تلفزيونية عربية تنقل أخبار الناس وهموم الفرد البسيط جداً والطبقات الفقيرة والمهمشة وتهتم لهم وتنقل حراك الشارع العربي بكل تناقضاته الفكرية والسياسية المختلفة، ولأول مرة في حياته لا يرى قناة تنقل أخبار الزعيم الهمام وخطاباته الرنانة وانتصاراته الوهمية وماذا فعل وأين ذهب وماذا يأكل وكيف ينام؟
، فالإعلام العربي بجميع قنواته وإذاعاته وصحفه لم يكن إلا امتداداً درامياً وتطوراً كوميدياً عن إذاعة صوت العرب والمذيع المصري الشهير أحمد سعيد منذ فترة ستينيات القرن الماضي في زمن قائد النكسة جمال عبد الناصر، لا تجديد في الخطاب والآليات ولا تحديث في الأشكال والأدوات أما المصداقية والمهنية واحترام عقلية المتلقي فقصة أخرى، لكن عندما انبعثت الجزيرة تغير كل شيء.
في أدبيات العرب القديمة يقول المثل البغدادي الشهير “حبل الكذب قصير مهما طال” ويقابله في الأمثال العالمية “لا توجد كذبة تعيش للأبد”، فلهذا المصداقية والمهنية واحترام ذكاء المتلقي وعدم اعتباره غبياً في محاولات تدجينيه وقولبة رخيصة ومبتذلة هي الأسس الحقيقية لصناعة الموثوقية والقبول لدى الناس بكل شرائحهم المختلفة. قناة الجزيرة القطرية صدرت للمشاهد ثلة من أفضل وأكفئ المقدمين للأخبار والبرامج فبعضهم أساتذة إعلام من أرقى مستويات السلم الأكاديمي وتخرج على أيديهم مئات إن لم يكن الآلاف من التلاميذ، ووظفت جيشاً مخضرماً من أكثر المراسلين مهنية وحرفية أسلحتهم فيها الكاميرا والمايكروفون والورقة والقلم أكلوا على الأرصفة وناموا في الغابات والجبال وحملوا أرواحهم على أكفهم استعداداً للموت في سبيل مصداقية الخبر وإيصال صوت الحقيقة للعالم، في الوقت الذي لم نجد فيه قناة إخبارية واحدة في الوطن العربي بل والعالم أجمع قدمت جيشاً من الشهداء والمصابين والمنفيين من أوطانهم والمعتقلين والمسجونين والمُضيق عليهم في حياتهم ومعيشتهم كما فعلت قناة الجزيرة.
فللمصداقية والحقيقة أعداؤها، وللانحياز للحق والعدل والصدق كُلفتها الباهظة، فالحقيقة مسؤولية وليست رفاهية أو نزهة. المهنية والاحترافية العالية والمصداقية في النقل والأمانة في التحليل والعمل في بيئة حرة حقيقية غير منحازة وبدون أي ضغوط أو إملاءات مسبقة والاصطفاف بجوار المظلومين والمستضعفين جميعها كلمات مفتاحية تفسر أسباب تصدر الجزيرة في كافة الاستطلاعات العربية والعالمية، لكن الموت في سبيل إيصال صوت الحقيقة للعالم السر الحقيقي الأهم على الاطلاق في قوة التأثير لإمبراطورية شبكة الجزيرة الإعلامية في الوطن العربي بل والعالم أجمع، وهذا ما جعل الجميع في دوائر صنع القرار العربي والعالمي في عالم السياسة والاقتصاد والاعلام يخشاها ويضرب لها ألف حساب. المجد والخلود لشيرين أبو عاقلة والخزي والعار لقتلتها.
نقلاً عن اللواء القطرية