جرائم إيران بحق المسلمين “وبحق شعبها أولاً قبل غيرهم وشيعتهم قبل سنتهم” لا تُعد، لكن الإسلام يعلمنا العدل، ومن كمال العدل وتمامه ما كان بحق العدو المخالف قبل الصديق الموافق، أما اذا اقتصر العدل على الموافق دون المخالف لم يُعَد هذا عدلاً.
وإيران على كثرة جناياتها بحق شعبها والمنطقة إلا ان لها بعض الحسنات التي ينبغي ذكرها والتأكيد عليها وعدم إغفالها وليس في هذا تزكيةً لها وتبييضاً لجرائمها بحق أهل السنة خاصة والعرب عامة، ولكن الانصاف والعدل يقتضي ذلك و “الانصاف عزيز”، ومن هذه الحسنات:
*دعمها الصادق للمقاومة في فلسطين، واستخدم هنا وصف “الصادق” لأنها فعلا صادقة في نصرتها لفلسطين وعداوتها للأمريكان والصهاينة، ومن لم يستطع رؤية الخصومة الحقيقية بين إيران من جهة وبين أمريكا والصهاينة من جهة أخرى فهو لا ينظر للوقائع والاحداث إلا بعين حاقدة فقط لا غير، ناهيك عن الخلل العميق الذي يُحدثه قياس الأمور بميزان نظرية المؤامرة والاستغراق فيها، أو اعتبار كل ما يجري مجرد تمثيليات ومسرحيات ولو سقط القتلى من جميع الاطراف.
*وحسنتها الثانية وقوفها مع قطر وقت الحصار الظالم عليها عندما منعت السعودية عنها الغذاء والدواء دون مراعاة لحرمة الجوار وحرمة الشهر العظيم.
*وحسنتها الثالثة احتضان بعض المجاهدين العرب “السنة” الفارين من افغانستان وتوفير المأوى الآمن لهم ولعائلاتهم رغم خلافها الشديد معهم مذهبياً وعقائدياً.
*وحسنتها الرابعة تضاف لها اليوم عبر ذراعها في اليمن “جماعة الحوثي” المتمثل في إغلاقهم لمضيق باب المندب نصرة لغزة الذبيحة وتلقي الضربات الامريكية والبريطانية غير مبالين بالأضرار والخسائر والتصنيف بالإرهاب، واستغلال ذكي لحالة الانشغال الامريكي بمشاكلها الداخلية وعلى رأسها الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ وكذلك حالة الاستنزاف الخارجي للولايات المتحدة الأمريكية في عدة جبهات دولية وخاصة في اوكرانيا وتايوان ودولة الاحتلال، وعدم قدرة الامريكان على فتح جبهة جديدة في دهاء يُحسب للحوثيين والايرانيين.
*حسنتها الخامسة: وتشترك بها إيران حكومةً وشعباً بعض النظر عن خلافنا المذهبي والعقائدي بيننا وبينهم: وهي حسنة جليلة متمثلة بتعظيمهم للغة الرسمية للإسلام “اللغة العربية المقدسة” والحرف العربي الشريف وعنايتهم البالغة بلغة القرآن الكريم على عكس الترك الذين يغلب عليهم كراهية اللغة العربية بلا مبرر، وكذلك يغلب على الايرانيين عاطفتهم الدينية القوية وغيرتهم على الدين وهذا ما يفسر ثورتهم العنيفة على نظام الشاه عندما حاول الأخير فرض العلمنة القسرية عليهم، وكذلك على عكس الترك أيضاً حينما نجح أتاتورك وتلميذه عصمت إينونو بفرض العلمانية ونبذ الدين عليهم، وقد امتدح النبي ﷺ الفرس كما جاء في البخاري ومسلم: “لو كان الإيمان عند الثريا لتناوله رجال من فارس”.
أقول كل ما سبق إحقاقاً للحق والعدل ونفياً للظلم والحيف بحق المخالف مهما بلغت العداوة والخصومة معه، فالعدل أحب إليّ من أهلي والناس أجمعين؛ والظلم أشد بغضاً عندي من جميع أعدائي من المخالفين والمستبدين.
العدل في الإسلام أصل كل الفضائل، والظلم جذر كل الموبقات والرذائل، فلم يُحرَّم الشرك والكفر ابتداءً إلا لتحقيق أعلى مراتب العدل التوحيد الذي هو حق الله على العبيد؛ ولأن الكفر منافٍ للعدل وفيه صرفٌ للعبادة إلى غير وجهتها الصحيحة؛ ولهذا قال الله تعالى: “ولا يرضى لعباده الكفر”، وقد واجه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سخرية أحد أصحابه من قتلى بدر من كفار قريش الذين عذبوه وضربوه وحاصروه وطردوه وحاربوه وكادوا أن يقتلوه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم له: “على رسلك يا ابن أخي! أولئك الملأ لو أمروك لأجبتهم” أي هؤلاء أشراف الناس ورؤوس القوم، فعداوته صلى الله عليه وآله وسلم الشديدة لهم ومواجهته القتالية معهم لم يمنعه من العدل فيهم وإنصافهم رغم أنهم قد أصبحوا موتى.
ورضي الله عن سيدنا ابن عباس عندما قال:
”لو أنَّ فرعون مصر أسدى إليَّ يداً صالحة لشكرتُه عليها”
وفي رواية أخرى عنه بلفظ:
“لو قال لي فرعون: بارك الله فيك؛ قلتُ: وفيك، وفرعون قد مات”
المتحدِّث هنا حبر الأمة، والمتحدَّث عنه مدَّعِي الألوهية ومنازع الله في الربوبية وأكبر رؤوس الطغيان والاجرام والاستبداد البشري في التاريخ بنص القرآن الكريم.
الاعتراف للمخالف بحسناته والانصاف معه من العدل والمروءة وشرف الخصومة، وحسبنا أمر ربنا: “ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون” أي لا يحملنكم عداوة قوم وبغضهم على ترك العدل فيهم.
تاريخياً بين العرب والفرس من الخلافات الكثير ومن المشتركات ما هو أكثر؛ وحصول الاتفاق ممكن وغير متعذر وفي التاريخ شواهد، وحضارياً فقد كُتبت ثقافة الإسلام وتراثه وعلومه وفنونه بثلاث لغات وهي: العربية والفارسية والعثمانية “التركية”، وخرج من الفرس من أفاد في علوم الإسلام الكثير من الاسماء التي يصعب حصرها في هذه الصفحة، وكانت آخر السلطنات الإسلامية القوية “السلطنة العثمانية” تعتمد هذه اللغات الثلاثة كلغات رسمية، وكانوا رجال الدولة العثمانية ومثقفوها وأدباءها يجتهدون لإجادة هذه اللغات الإسلامية.
وإني ارجو كما يرجو كل محب لهذه الأمة أن تتوحد أمة الإسلام وتنبذ جميع خلافاتها جانباً وخصوصاً القوميات الكبرى (العرب والفرس والترك)؛ وأن ينصهر الجميع في بوتقة واحدة وأن يستظل الجميع بمظلة الإسلام الجامعة، ولو أن هذا الحلم قد يبدو في ظاهره أقرب للمثالية بعيداً عن الواقعية لكن من يدري فأحلام اليوم وقائع الغد.