تشعبت على المسلمين الكثير من القضايا والرزايا لكن ما رُزئ الإسلام ولا كُلم ولا ثلم بمثل احتلال قبلته الأولى وحرمه الثالث، ووقوع الأرض المقدسة تحت الأسر ونير الاحتلال البريطاني الإنجليزي المباشر ثم الاغتصاب والاحتلال الصهيوني إلى يومنا هذا، وصور نصرة وبذل المسلمين والمؤمنين لكل غالٍ ونفيس في جميع أصقاع المعمورة لقبلتهم الأولى؛ شتى بين بذل الدماء والأنفس والأموال والأوقات والجهود والكلمات.. كل ذلك لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه ومسرى نبيه ورجاء فك أسر الحرم القدسي الشريف، وتحرير التراب الفلسطيني المبارك بزرعه وثمره وأهله و ناسه الطيبين المباركين، لكن أن يخرج من يتظاهر بأن قضية فلسطين لا تعنيه من الناطقين بلغة الضاد فهذا إنسلاخ من القيم والثوابت والجذور.
القدس خافضة رافعة، رفع الله بها أقواماً وأخفض بها آخرين، هي الكاشفة المبينة البراءة من كل متصهين رضي على نفسه الانسلاخ من جذوره وتاريخه وحاضره ومستقبله، فلسطين.. كسورة التوبة هي للمنافقين في المدينة وكل مدينة. إذا تعلق الأمر بالقدس وفلسطين فكل الأمة فلسطينيون، من جاكرتا حتى الدار البيضاء وكلنا فلسطينيون حد الثمالة. القدس وفلسطين ليست لأهلها فقط بل هي لنا جميعاً.
فلنفترض جدلاً أن أهل القدس جميعهم وقَّعوا على بيع القدس الشريف وسائر التراب الفلسطيني (رغم أنهم لم ولن يفعلوا ذلك البتة حتى آخر طفل فيهم ولا يزالون ثابتون صامدون لم ينل الغاصب منهم قيد أنملة)، فهل هذا عذر للانسلاخ عن قضية المسلمين الأولى؟!!
قال العلاّمة يوسف القرضاوي (حفظه الله) في كتابه القدس قضية كل مسلم:
”إن القدس ليست للفلسطينيين وحدهم، وإن كانوا أولى الناس بها، وليست للعرب وحدهم، وإن كانوا أحق الأمة بالدفاع عنها؛ وإنما هي لكل مسلم أيا كان موقعه في مشرق الأرض أو مغربها، في شمالها أو جنوبها، حاكما كان أو محكوما، متعلما أو أميا، غنيا أو فقيرا، رجلاً أو امرأة”.
فلسطين كانت وستبقى قضيتنا الأولى والكبرى والرئيسية والمركزية والمحورية والمفصلية والجوهرية والوجودية، بها نكون أو لن نكون.
وهي كذلك لدى كل عربي ومسلم يرفع راية لا إله إلا الله محمد رسول صلى الله عليه وسلم، وستبقى كذلك ما بقيت سورة الإسراء تُتلى إلى قيام الساعة. ولا يحتاج هذا الأمر إلى توضيح، فهذه قضية قرآنية محسومة قاطعة لكل جدل فـ”توضيح الواضحات من المعضلات”، لكن من باب التوكيد على الحق العربي والإسلامي الأصيل.
من يغتصبون قدسنا ويحتلون فلسطيننا اليوم هم الصهاينة الذين لا يمتون للدين اليهودي ولا لسائر الأديان السماوية الثلاثة بصلة! وهناك فرق بين اليهودية كديانة والصهيونية كأيديولوجية تدميرية وغير إنسانية، فهل يُدرك الواهمون وأدعياء السلام المزعوم ذلك؟! أم هو الانبطاح المجاني والمخزي في آن.
كيف لا تكون فلسطين قضيتي وقد جاء في الحديث الشريف عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ”ليس فيها شبراً إلا وقد سجد له مَلَك أو نبي فلعل أن تنال جبهته”؟
وفي حديث آخر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من أحب أن ينظر إلى قصور الجنة، فلينظر إلى بيت ?المقدس?، فإنه من قصور الجنة”.
يا قدس يا منارة الشرائع
يا طفلة جميلة محروقة الأصابع
حزينة عيناك يا مدينة البتول
يا واحة ظليلة مر بها الرسول
إذا قال أقوام فلسطين ليست قضيتي سأقول بملء الفم: بل هي قضيتي وروحي وفؤادي ونبلي وطهري ولحمي ودمي، ليَ قُدسي وحرمي ومسجدي، ولكم الخزي إلى يوم الدين.
وأختم بما قاله المغرد الغزي الرائع أدهم أبو سلمية:
?فلسطين? قضية المسلمين، ولها ينتسب الأحرار الأطهار..
?فلسطين تُشرف من ينتسب لها، ومن ينتسب لها يتشرف بها..
هي ثقيلة على المنافقين ولذلك تراهم يعلنون البراءة منها ويتنكرون لها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف حامليها بـ”الطائفة المنصورة” وتلك طائفة حق لا نفاق فيها.
نقلاً عن عربي21